بحلول نهاية 2021، كان الأميركيون يموتون، في المتوسط، قبل ثلاث سنوات مما كانوا يفعلون قبل كوفيد- 19 لأن أمد الحياة انخفض من 79 عاماً إلى 76 عاماً، وفقاً لأحدث إحصائيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. هذه الانخفاضات المذهلة سجلت على صعيد العالم – أول انخفاض عالمي في أمد الحياة منذ الحرب العالمية الثانية. إذ قفز إجمالي الوفيات ب13 في المئة خلال العامين الأولين من الجائحة.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 15 مليون شخص ماتوا أكثر مما كان متوقعاً. كما دُفعت التنمية البشرية إلى الخلف. معظم هذه الوفيات كانت نتيجة مباشرة لفيروس كورونا. ولكن الوباء قتل الناس أيضاً من خلال الأضرار التي لحقت بالرعاية الصحية بشكل عام، والتي ستكون لها عواقب دائمة. ذلك أن سنوات من المكاسب والاستثمار مُحيت.

وقد بدأنا الآن فقط نرى تأثيرات ذلك. والواقع أننا نستطيع استعادة ما فقدناه واستئناف العقود الماضية من التقدم في البقاء والصحة البشرية. ولكن ذلك يتطلب التمسك بحس الاستعجالية والقيام بأكثر من مجرد الأمل في أن تتغير الأمور. ذلك أن فترة ما بعد الوباء تتطلب الكثير من التركيز والرد مثل بدايته. وزعامة الولايات المتحدة أساسية وبالغة الأهمية. وإذا كنا قد عبّأنا العالم من أجل الاستثمار في الإغاثة في حالة الطوارئ، فيجب علينا الآن تعبئة العالم من أجل الاستثمار في التعافي.

عبر العالم، بما في ذلك هنا في الولايات المتحدة، أدى الوباء إلى تحويل الموارد بعيداً عن الاحتياجات الصحية الأساسية من كل الأنواع. ونتيجة لذلك، تعطلت برامج التطعيم الروتينية، والرعاية الصحية للأطفال والكبار، وعلاج السرطان، وخدمات الإسعاف، والقدرات المتعلقة بالجراحة، وخدمات الصحة العقلية. ودفع الضرر الاقتصادي الناجم عن كوفيد الحكومات إلى تقليص ميزانيات هزيلة أصلاً لقطاع الصحة. كما تسبب كوفيد في اضطرابات طالت سلاسل التوريد الخاصة بالإمدادات الطبية الأساسية. ودفع موظفي الصحة، الذين يعانون نقصاً أصلاً، إلى الاستقالة وترك المهنة هنا وفي الخارج.

كان الضرر الذي لحق بالرعاية الصحية كبيراً، ولكن الإصلاح يجب أن يبدأ من صفوف عمال الرعاية الصحية الأولية المدمَّرة والذي يعانون من نقص الموارد البشرية – أطباؤنا وممرضونا وموظفو التواصل العاملون على الصف الأول. والواقع أن الانتباه في الأزمة يميل إلى التركيز على المستشفيات والمستجيبين لحالات الطوارئ. والحال أن عمال الصحة الأولية يقدّمون الأغلبية الساحقة من الخدمات المسؤولة عن حيوات أطول، بما في ذلك إيقاف الوباء المقبل. إنهم العمود الفقري لنظام صحي ناجح وفعال.

وتُظهر عقود من الأدلة أن فِرق الرعاية الأولية قادرة أيضاً على تحقيق تحسن كبير في الصحة حين تكون مدرَّبةً بشكل لائق وتتلقى أجراً لائقاً وكذلك تُعطى القدرة على التواصل بشكل منتظم مع كل الأُسر التي تخدمها - وهذا مهم. ولا شك أن إبقاء الناس على اتصال بالخدمات الأهم لصحتهم وبقائهم، والحرص على ألا يسقط أي منهم في ثغرات النظام، يضيف سنوات من الحياة. قبل عام ونيف، حين شغلتُ منصبي الحالي في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حيث أشرفتُ على المساعدات الخارجية للصحة العالمية، كان أحد أكبر آمالي هو المساعدة على إصلاح الضرر الذي لحق بالنظام.

ولهذا كنت سعيداً عندما طلب الرئيس بايدن تمويلاً من الكونجرس العام الماضي ليس فقط من أجل هذه البرامج المهمة جداً والاستعداد لأوبئة مقبلة، ولكن أيضاً من أجل مبادرة عالمية لعمال الصحة. مبادرة من شأنها توفير الاستثمارات المستهدفة في الخارج، مثل الاستثمارات في التدريب وفي الأدوات الرقمية، والتي تعطي دفعة مهمة للجهود العالمية لإعادة بناء القوة العاملة اللازمة لإصلاح الصحة والبقاء. غير أن الميزانية التي مررت خلال الأسابيع الأخيرة من الكونجرس الماضي أسقطت هذا التمويل.

والأسبوع الماضي، قدّم الرئيس مرة أخرى ميزانية لدعم هذا الجهد الحيوي. ولكن التعافي يتلقى انتباهاً وموارد قليلة للغاية، ويجب على الكونجرس أن يقوم بدوره لتغيير ذلك.

وفي غضون ذلك، عملتُ مع فريقي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أجل فعل ما نستطيع فعله. وبدءاً بحكومات في سبعة بلدان نساعدها – ساحل العاج، غانا، إندونيسيا، كينيا، مالاوي، نيجيريا، الفلبين – حددنا هدفا لتسخير الموارد لإعادة معدلات الوفيات إلى أحسن من مستويات ما قبل الوباء بحلول 2025، وذلك للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، والنساء اللاتي تقل أعمارهن عن 50.

ولتحقيق ذلك، نعمل من بلد إلى بلد على تحليل الثغرات في الخدمات الصحية الأساسية ونقاط الضعف الأساسية في القوة العاملة في الرعاية الصحية الأولية التي تقوم عليها تلك الخدمات. ومثلما قالت منظمة الصحة العالمية، فإننا في حاجة لبلدان «تقوم بإعادة توجيه جذرية لأنظمتها الصحية نحو الرعاية الصحية الأولية».

وبهذه الطريقة سنقوم بتعاف حقيقي من الوباء – ونكون مستعدين للوباء التالي. ثم إنه الطريق الوحيد الذي لدينا للعودة إلى عالم يتميز بحيوات أطول وأصح".

*كاتب وباحث أميركي متخصص في الصحة العامة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»